سورة لقمان - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (لقمان)


        


{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30)}
{ذلك} إشارة إلى ما تضمنته الآيات وأشارت إليه من سعة العلم وكمال القدرة واختصاص الباري تعالى شأنه بها {بِأَنَّ الله هُوَ الحق} أي بسبب أنه سبحانه وحده الثابت المتحقق في ذاته أي الواجب الوجود.
{وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ} إلهًا {الباطل} المعدوم في حد ذاته وهو الممكن الذي لا يوجد إلا بغيره وهو الواجب تعالى شأنه {وَأَنَّ الله هُوَ العلى} على الأشياء {الكبير} عن أن يكون له سبحانه شريك أو يتصف جل وعلا بنقص لا بشيء أعلى منه تعالى شأنه شأنًا وأكبر سلطاناف، ووجه سببية الأول لما ذكر أن كونه تعالى وحده واجب الوجود في ذاته يستلزم أن يكون هو سبحانه وحده الموجد لسائر المصنوعات البديعة الشأن فيدل على كمال قدرته عز وجل وحده والايجاب قد أبطل في الأصول ومن صدرت عنه جميع هاتيك المصنوعات لابد من أن يكون كامل العلم على ما بين في الكلام، ووجه سببية الثالث لذلك أن كونه تعالى وحده عليًا على جميع الأشياء متسلطًا عليها متنزهًا عن أن يكون له سبحانه شريك أو يتصف بنقص عز وجل يستلزم كونه تعالى وحده واجب الوجود في ذاته وقد سمعت الكلام فيه، وأما وجه سببية كون ما يدعونه من دونه إلهًا باطلًا ممكنًا في ذاته لذلك فهو أن إمكانه على علو شأنه عندهم على ما عداه مما لم يعتقدوا إلهيته يستلزم إمكان غيره مما سوى الله عز وجل لأن ما فيه مما يدل على إمكانه موجود في ذلك حذو القذف بالقذة ومتى كان ما يدعونه إلهًا من دونه تعالى وغيره مما سوى الله سبحانه وتعالى ممكنًا انحصر وجوب الوجود في الله تعالى فيكون جل وعلا وحده واجب الوجود في ذاته وقد علمت إفادته للمطلوب وكأنه إنما قيل أن ما يدعون من دونه الباطل دون أن ما سواه الباطل مثلا نظير قول لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل ***
تنصيصًا على فظاعة ما هم عليه واستلزام ذلك إمكان ما سوى الله تعالى من الموجودات من باب أولى بناء على ما يزعم المشركون في آلهتهم من علو الشأن ولم يكتف في بيان السبب بقوله سبحانه: {بِأَنَّ الله هُوَ الحق} بل عطف عليه ما عطف مع أنه مما يعود إليه وتشعر تلك الجملة به إظهارًا لكمال العناية بالمطلوب وا يفيده منطوق المعطوف من بطلان الشريك وكونه تعالى هو العلي الكبير.
وقيل: أي ذلك الاتصاف بما تضمنته الآيات من عجائب القدرة والحكمة بسبب أن الله تعالى هو الإله الثابت إلهيته وإن من دونه سبحانه باطل الإلهية وإن الله تعالى هو العلي الشأن الكبير السلطان ومدار أمر السببية على كونه سبحانه هو الثابت الإلهية وبين ذلك الطيبي بأنه قد تقرر أن من كان إلهًا كان قادرًا خالقًا عالمًا إلى غير ذلك من صفات الكمال ثم قال إن قوله تعالى ذلك بأن الله هو الحق كالفذلكة لما تقدم من قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُمْ} [لقمان: 13] إلى {هذا} وقوله تعالى: {وَأَنَّ الله هُوَ العلى الكبير} كالفذلكة لتلك الفواصل المذكورة هنالك كلها.
ولعل ما قدمنا أولى بالاعتبار، وقال العلامة أبو السعود في الاعتراض على ذلك: أنت خبير بأن حقيته تعالى وعوله وكبرياءه وإن كانت صالحة لمناطية ما ذكر من الصفات لكن بطلان إلهية الأصنام لا دخل له في المناطية قطعًا فلا مساغ لنظمه في سلك الأسباب بل هو تعكيس للأمر ضرورة أن الصفات المذكورة هي المقتضية لبطلانها لا أن بطلانها يقتضيها انتهى، وفيه تأمل والعجب منه أنه ذكر مثل ما اعترض عليه في نظير هذه الآية في سورة الحج ولم يتعقبه بشيء.
وجوز أن يكون المعنى ذلك أي ما تلى من الآيات الكريمة بسبب بيان أن الله هو الحق إلهيته فقط ولأجله لكونها ناطقة بحقية التوحيد ولأجل بيان بطلان إليهة ما يدعون من دونه لكونها شاهدة شهادة بينة لا ريب فيها ولأجل بيان أنه تعالى هو المرتفع على كل شيء المتسلط عليه فإن ما في تضاعيف تلك الآيات الكريمة مبين لاختصاص العلو والكبرياء به أي بيان وهو وجه لا تكلف فيه سوى اعتبار حذف مضاف كما لا يخفى وكأنه إنما قيل هنا: وأن ما يدعون من دونه الباطل بدون ضمير الفصل، وفي سورة الحج (62) {وأن ما يدعون من دونه هو الباطل} بتوسيط ضمير الفصل لما أن الحط على المشركين وآلهتهم في هذه السورة دون الحط عليهم في تلك السورة.
وقال النيسابوري في ذلك أن آية الحج وقعت بين عشر آيات كل آية مؤكدة مرة أو مرتين فناسب ذلك توسيط الضمير بخلاف ما هنا ويمكن أن يقال تقدم في تلك السورة ذكر الشيطان مرات فلهذا ذكرت تلك المؤكدات بخلاف هذه السورة فإنه لم يتقدم ذكر الشيطان فيها نحو ذكره هناك، وقرأ نافع. وابن كثير. وابن عامر. وأبو بكر {تَدْعُونَ} بتاء الخطاب.


{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31)}
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الفلك تَجْرِى فِى البحر بِنِعْمَتِ الله} استشهاد أخر على باهر قدرته جل وعلا وغاية حكمته عز وجل وشمول انعامه تبارك وتعالى، والمدار بنعمة الله تعالى إحسانه سبحانه في تهيئة أسباب الجري من الريح وتسخيرها فالباء للتعدية كما في مررت بزيد أو سببية متعلقة بتجري.
وجوز أن يراد بنعمته تعالى ما أنعم جل شأنه به مما تحمله الفلك من الطعام والمتاع ونحوه فالباء للملابسة والمصاحبة متعلقة حذوف وقع حالًا من ضمير الفلك أي جري مصحوبة بنعمته تعالى؛ وقرأ موسى بن الزبير {الفلك} بضم اللام ومثله معروف في فعل مضموم الفاء.
حكى عن عيسى بن عمر أنه قال: ما سمع فعل بضم الفاء وسكون العين إلا وقد سمع فيه فعل بضم العين.
وفي الكشاف كل فعل يجوز فيه فعل كما يجوز في كل فعل فعل، وجعل ضم العين للاتباع وإسكانها للتخفيف.
وقرأ الأعرج. والأعمش. وابن يعمر {عَبْدُ الله} بكسر النون وسكون العين جمعًا بالألف والتاء وهو جمع نعمة بكسر فسكون، ويجوز كما قال غير واحد في كل جمع مثله تسكين العين على الأصل وكسرها اتباعًا للفاء وفتحها تخفيفًا.
وقرأ ابن أبي عبلة {عَبْدُ الله} بفتح النون وكسر العين جمعًا لنعمة بفتح النون وهي اسم للتنعم، وقيل: عنى النعمة بالكسر {لِيُرِيَكُمْ مّنْ ءاياته} أي بعض دلائل ألوهيته تعالى ووحدته سبحانه وقدرته جل شأنه وعلمه عز وجل، وقوله تعالى: {إِنَّ فِى ذَلِكَ ءايات لّكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} تعليل لما قبله أي إن فيما ذكر لآيات عظيمة في ذاتها كثيرة في عدها لكل مبالغ في الصبر على بلائه سبحانه ومبالغ في الشكر على نعمائه جل شأنه. و{صَبَّارٍ شَكُورٍ} كناية عن المؤمن من باب حي مستوى القامة عريض الأظفار فإنه كناية عن الإنسان لأن هاتين الصفتين عمدتا الايمان لأنه وجميع ما يتوقف عليه إما ترك للمألوف غالبًا وهو بالصبر أو فعل لما يتقرب به وهو شكر لعمومه فعل القلب والجوارح واللسان، ولذا ورد «الايمان نصفان نصف صبر ونصف شكر»، وذكر الوصفين بعد الفلك فيه أتم مناسبة لأن الراكب فيه لا يخلو عن الصبر والشكر، وقيل: المراد بالصبار كثير الصبر على التعب في كسب الأدلة من الأنفس والآفاق وإلا فلا اختصاص للآيات ن تعب مطلقًا وكلا الوصفين بنيا بناء مبالغة، وفعال على ما في البحر أبلغ من فعول لزيادة حروفه، قيل: وإنما اختير زيادة المبالغة في الصبر إيماء إلى أن قليله لشدة مرارته وزيادة ثقله على النفس كثير.


{وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)}
{وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ} أي علاهم وغطاهم من الغشاء عنى الغطاء من فوق وهو المناسب هنا، وقيل: أي أي أتاهم من الغشيان عنى الاتيان وضمير {غَشِيَهُمْ} أن اتحد بضمير المخاطبين قبله ففي الكلام التفات من الخطاب إلى الغيبة وإلا فلا التفات، والموج ما يعلو من غوارب الماء وهو اسم جنس واحدة موجة وتنكيره للتعظيم والتكثير، ولذا أفرد مع جمع المشبه به في قوله تعالى: {كالظلل} وهو جمع ظلة كغرفة وغرف وقربة وقرب، والمراد بها ما أظل من سحاب أو جبل أو غيرهما.
وقرأ الراغب: الظلة السحابة تظل وأكثر ما يقال فيما يستوخم ويكره، وفسر قتادة الظلل هنا بالسحاب، وبعضهم بالجبال، وقرأ محمد بن الحنفية رضي الله تعالى عنه {كالظلال} وهو جمع ظلة أيضًا كعلبة وعلاب وجفرة وجفار، وإذا ظرف لقوله تعالى: {أَثْقَلَت دَّعَوَا} أي دعوا {الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} إذا غشيهم موج كالظلل وإنما فعلوا ذلك حينئذ لزوال ما ينازع الفطرة من الهوى والتقليد بما دهاهم من الخوف الشديد.
{فَلَمَّا نجاهم إِلَى البر فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ} سالك القصد أي الطريق المستقيم لا يعدل عنه لغيره، وأصله استقامة الطريق ثم أطلق عليه مبالغة، والمراد بالطريق المستقيم التوحيد مجازًا فكأنه قيل: فمنهم مقيم على التوحيد، وقول الحسن: أي مؤمن يعرف حق الله تعالى في هذه النعمة يرجع إلى هذا، وقيل: مقتصد من الاقتصاد عنى التوسط والاعتدال.
والمراد حينئذ على ماقيل متوسط في أقواله وأفعاله بين الخوف والرجاء موف بما عاهد عليه الله تعالى في البحر، وتفسيره وف بعهده مروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ويدخل في هذا البعض على هذا المعنى عكرمة بن أبي جهل فقد روى السدي عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: لما كان فتح مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن يكفوا عن قتل أهلها إلا أربعة نفر منهم قال: اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة عكرمة بن أبي جهل. وعبد الله بن خطل. وقيس بن ضبابة. وعبد الله بن أبي سرح. فأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم ريح عاصفة فقال أهل السفينة: أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئًا هاهنا فقال عكرمة: لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص ما ينجني في البر غيره. اللهم إن لك على عهدًا إن أنت عافيني مما أنا فيه أن آتي محمدًا صلى الله عليه وسلم حتى أضع يدي في يده فلأجنده عفوًا كريمًا فجاء وأسلم، وقيل: متوسط في الكفر لانزجاره بما شاهد بعض الانزجار.
وقيل: متوسط في الإخلاص الذي كان عليه في البحر فإن الإخلاص الحادث عند الخوف قلما يبقى لأحد عند زوال الخوف.
وأيًا ما كان فالظاهر أن المقابل لقسم المقتصد محذوف دل عليه قوله تعالى: {وَمَا يَجْحَدُ بئاياتنا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ} والآية دليل ابن مالك ومن وافقه على جواز دخول الفاء في جواب لما ومن لم يجوز قال: الجواب محذوف أي فلما نجاهم إلى البر انقسموا قسمين فمنهم مقتصد ومنهم جاحد، والختار من الختر وهو أشد الغدر ومنه قولهم: إنك لا تمد لنا شبرًا من غدر إلا مددنا لك باعًا من غدر، وبنحو ذلك فسره ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لابن الأزرق وأنشد قول الشاعر:
لقد علمت واستيقنت ذات نفسها *** بأن لا تخاف الدهر صرمى ولاخترى
ونحوه قول عمرو بن معدي كرب:
وإنك لو رأيت أبا عمير *** ملأت يديك من غدر وختر
وفي مفردات الراغب الختر غدر يختر فيه الإنسان أي يضعف ويكسر لاجتهاده فيه أي وما يجحد بآياتنا ويكفر بها إلا كل غدار أشد الغدر لأن كفره نقض للعهد الفطري، وقيل: لأنه نقض لما عاهد الله تعالى عليه في البحر من الإخلاص له عز وجل: {كَفُورٌ} مبالغ في كفران نعم الله تعالى، و{خَتَّارٍ} مقابل لصبار لأن من غدر لم يصبر على العهد وكفور مقابل لشكور.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11